شجاعة
زنجيبار
نظرة أطول على الحرب الأقصر
قصر زنجيبار
1896 (الوسط) بيت الحريم (اليسار) بيت العجائب (اليمين)
مقدمة:
سجلت الحرب
بين زنجيبار وبريطانيا العظمى في عام 1896 كأقصر حرب في التاريخ وغالباً ما كانت
تعامل كحدث أشبه بالدراما الهزلية ولا تستحق حتى أن تتم دراستها بشكل جدي. قصة
الحرب على أي حال كشفت عن دروس طويلة الأمد، وفترتها القصيرة في الواقع يمكنها أن
توجه التركيز نحو أكبر قضايا العصر ألا وهو العنف السياسي.
تم
غزو زنجيبار عدة مرات خلال تاريخها ولكن مرة بعد أخرى كان السكان يعيدون تأكيد
ذاتهم ووجودهم، كان الهدوء يسود فقط عندما كان يشعر السكان بأنه يمكنهم الدخول في
حوار هادف مع حكامهم حول كيفية حكمهم وحتى أن يكون لهم قرار في تحديد الأشخاص الذين
يجب أن يكونوا بين الشخصيات القيادية في
زنجيبار. هذه المبادئ تعارضت مع قيم " القدر المحتوم" البريطانية في ذلك الوقت.
بطريقة أو بأخرى تعاملت زنجيبار مع هذا التعارض المختصر بأن أطلقت نداءاتها المدوية
عبر التاريخ لتحديد مصيرها، وعلى الرغم من تصعيد العنف هناك إلا أنه لا زال هناك
بعض الأصوات من زنجيبار، والرسالة يمكن سماعها حتى اليوم إذا ما أمعنت السمع عن
قرب.
الظروف:
في ظهر يوم
الخامس والعشرين من شهر أغسطس لعام 1869 توفي سيد حميد بن ثويان بن سعيد سلطان
زنجيبار وبيمبا ومافيا ولامو وجميع مناطق "السيدي" (البر الرئيسي "الشريط
الساحلي"). بوفاته بدأت العائلات الحاكمة في زنجيبار بالتنازع حول الوصول الى
العرش.
المستوطنون
العمانيون بما في ذلك العائلة الملكية والعائلات والعشائر البارزة جميعهم لهم تاريخ
حافل في قضية تحديد المصير وخصوصاً عندما تصل الأمور الى اختيار حاكم جديد.
تم ترسيخ هذا
التقليد في عملية الاتفاق العشائري الذي تم الاتفاق على إجراءاته لاختيار إمام في
البلدة القديمة (عمان). بالعودة الى عام 751 كان يتم اختيار الإمام باتفاق شيوخ
العشائر. عملية الاختيار / التوافق كانت مثال واضح ومبكر على نظام المساواة في عهد
ساد فيه الطغاة.
إن تنفيذ
السياسات الزنجبارية الخاصة بتعاقب الخلافة والتي كانت تستمد من التعاليم الدينية
القديمة للانتخاب كانت لا تخلو أحياناً من الصدام وسفك الدماء، ربما كانت المنافسة
بين الشخصيات القيادية في الائتلافات الأقوى عنفاً. في عام 1859 كان النظام ينص على
" جميع الورثة الذكور يتساوون في حقهم في التعاقب على الحكم، الى جانب انتخابات
القبيلة وهو الحق الوحيد". عندما سئل السلطان برجاش عن أنظمة الخلافة في زنجيبار
وصفها بإيجاز بقوله أن الحق في وراثة التاج يكون للمنافس صاحب "السيف الأطول".
بعد وفاة سيد
حامد كان من الواضح أن المنافس صاحب "السيف الأطول" هو خالد بن برجاش، وهو شاب في
التاسع والعشرين من العمر وكان مدعوماً من قبل غالبية رجال الأعمال المحليين وأصحاب
الأراضي الكبيرة في المنطقة، وكان مقبولا من قبل شعوب واهامادي وواتومباتو كما كان
من أسرة نبيلة، وعلى أي
حال لم يكون مقبولا من البريطانيين.
رجل
البريطانيين كان حمود بن محمد وهو ابن أخ سلطان عمان السابق والذين كان مهتماً بشكل
كبير بأساليب الحياة الحديثة، كان البريطانيين يعتقدون بأن التعامل معه سيكون أسهل
من خالد صاحب العقلية الاستقلالية.
اعتبرت
العائلات الزنجيبارية هذا التدخل السافر في نظام الخلافة فيها إهانة لكرامتهم
وحقوقهم التقليدية. رغم كل شيء خالد كان حفيد الأب المؤسس للبلاد سيد سعيد. وقد حصل
على اتفاق من حشد من العشائر. كما استحوذ على إخلاص أكبر قوة عسكرية في الجزيرة. في
الرابعة عصراً من مساء ذلك الثلاثاء أكمل
الاختبارات النهائية للإرث واحتل القصر وتولى زمام الأمور في الميناء وأسطول السفن
ومعظم أجزاء العاصمة. كان البريطانيون غاضبون وقد بدؤوا بالتحضير للحرب، كان هناك
سفينتان حربيتان ترسوان أصلاً في الميناء عند وفاة السلطان القديم. أمرت الحكومة
البريطانية أعلى أدميرال لديها في المحيط الهندي بسرعة التحرك الى زنجيبار مع قيادة
سفينته بالاضافة الى سفينتين حربيتين أخرتين قريبتين صدرت لهما الأوامر بسرعة
التوجه الى الجزيرة بأسرع وقت ممكن.
صدرت الأوامر
في مساء الخامس والعشرين من شهر أغسطس، كان لدى الرجال الزنجيباريين في القصر 40
ساعة فقط ليفكروا بمصيرهم، أن يقاتلوا أو أن يهربوا؟ هل يبقون؟ هل يستجيبون لنداء
خالد بالانتظار هناك والتحديق بحزم في عيون إمبراطورية الأسد الهائلة التي كانت
تستجمع قواها للهجوم عليهم؟
القوات
المغتصبين
انقسمت
القوات الزنجيبارية في المدينة، السلطان القديم كان لديه حراس القصر والذين يعتبرون
الفئة الأقوى والأكثر تجهيزاً خلال السنوات الأخيرة من حكمه، هذه القوة غير
المتجانسة التي استكملت بناءها من قبل كتائب المدفعية والتي شملت جنوداً زنجيباريين
وعرب وبلوش وبارسيين (وكذلك بعض جنود المدفعية المصريين) بلغ عدد أفراد الحرس
الملكي ما يقارب من الألف جندي.
في حاجة هذه
القوة الى قيادة رجل توجهت الى خالد عندما بدأ الصراع على الخلافة، بالإضافة الى
ذلك فقد أحضر خالد معه 300 رجل من التابعين له بكامل تنظيمهم وسلاحهم عند احتلاله
للقصر. بمجرد سيطرته على القصر وانتشار خبر طلب البريطانيين احتشد 1500 زنجيباري
للانضمام إليه، وكنتيجة لذلك فقد
وصل
عدد أفراد القوة الى 2800 جندي. هؤلاء الرجال تحصنوا في القصر وبيت الحريم المجاور
له بالاضافة الى الواجهة البحرية للمجمع.
سلاح البحرية
الزنجيباري الذي كانت قواربه الشراعية تسيطر على الساحل الشرقي لإفريقيا في يوم من
الأيام كانت قواربه قد بيعت في ذلك الوقت أو تم تحويلها للاستخدام التجاري، في
الوقت الذي تولت فيه البحرية البريطانية مهمة حراسة المحيط الهندي. على أي حال كان
هناك سفينة واحدة جديدة تم شراؤها كباخرة للسلطان، هذه السفينة واسمها
H.H.S.
Glasgow
(هكذا تم تسميتها بعد أن تم ضمها للترسانة) رست في الميناء وأقسم طاقمها على الولاء
لسيد خالد كسلطان جديد لهم وأطلقت مدافعهم القديمة والضخمة عدة طلقات كتحية له.
الجنود الحكوميون
من ناحية
أخرى كان الجنود الزنجيباريون النظاميون (الحكوميون) والذين يقدر عددهم بـ 900 رجل
مقسمين الى فرقتين (بالاضافة الى سرية) وكان يقودهم ضباط بريطانيون محسوبون على
السلطان القديم، قائد هذه القوة كان ملازماً سابقاً في البحرية البريطانية وأحد الذين
كانوا يعارون للحكومة الزنجيبارية في تلك الأيام. استطاع من خلال هذه النقطة الوصول
الى رتبة جنرال في جيش السلطان. كان اسمه لويد ماثيوس.
كان ماثيوس
قد حفز قواته جيداً وقد أظهروا انضباطاً وروحاً قتالية عالية خلال عرض عقابي قاموا
به على الشاطئ بطلب من الحكومة (و/أو من المقيمين البريطانيين)، بيد أنهم في
المقام الأول كانوا مجرد فرقة مشاة بأسلحة خفيفة.
كان هناك قلق
شديد بين الدبلوماسيين البريطانيين حول إخلاص وولاء هؤلاء "الجنود الموالين"
والحقيقة أنهم قد أظهروا بعض التعاطف مع الوساطة البريطانية، ولكنهم بجميع الأحوال
كانوا مهنيين وكان ماثيوس يؤكد أنهم على استعداد لتنفيذ أية أوامر قد يعطيها لهم.
غير
أن البريطانيين أحسوا بأنهم يمكنهم أن يكونوا في أمان أكثر واعتقدوا بأنهم يمكنهم
أن يحكموا قبضتهم على هؤلاء الجنود بشكل أكبر بنشرهم في مواقع دفاعية كجنوب القصر
وحول المنطقة الدبلوماسية في المدينة.
سلاح البحرية الملكي
عند وفاة
السلطان القديم كانت ترسو سفينتان في الميناء هما المدمرة البريطانية الخفيفة
H.M.S. Philomel
والقارب المسلح
H.M.S. Thrush
وانضمت لهما توأم
Thrush
وهي
السفينة
H.M.S. Sparrow
في الساعة 5:30، ولاحقاً في نفس مساء يوم الثلاثاء تم تعزيز القوات الحكومية بوحدات
من مشاة البحرية الذين نزلوا من السفن. هؤلاء المشاة أحضروا معهم بعض الرماة
البحريين حيث كان معهم على الأقل قطعة ميدانية واحدة واثنين من الرشاشات الكبيرة
(رشاش مكسيم)، وقد تم تثبيتهم في مواقعهم حول السفارة البريطانية.
بعد ذلك بدأت
قوات البحرية الإضافية بالتجمع، بعد ذلك في الساعة 9:00 صباحاً من يوم الأربعاء
ظهرت الباخرة الأكبر هي
H.M.S. Raccoon
وبعد ذلك في منتصف يوم السادس والعشرين من شهر أغسطس لعام 1869 ظهرت الباخرة الضخمة
H.M.S. St. George
ورست في ميناء زنجيبار.
هذه البواخر
الخمسة الضخمة كانت تعلوها 67 نوعاً مختلفاً من الأسلحة وبقياسات مختلفة وتنوعت في
حجمها من 3 مدافع عالية الدقة الى مجموعة بنادق من مقاس 9.2 انش.
·
20 مدفع بدقة 3
·
12
مدافع بدقة 6
·
8 مدافع بدقة 9
·
12
رشاش بقياس 4 انش
·
8 رشاشات بقياس 4.7 انش
·
16
رشاش بقياس 6.0 انش
هذه السفن
أيضا حملت على متنها العديد من الرشاشات الثقيلة وكل واحدة كان عليها عدة عربات
مقطورة وكان يتولى الإطلاق منها جنود المارينز الذين نزلوا الى الميناء، تحركت
السفن من الميناء وكانت تناور بالقرب من السفارة المحصنة. سفينة
H.M.S. Sparrow
أنهت اليوم الثاني من المواجهة راسية أمام القصر مباشرة. سفينة
H.M.S Thrush
كانت متجهة الى الشمال قليلاً ولكنها كانت أقرب الى الشاطئ فقد كانت تبعد 200 ياردة
فقط عن الواجهة البحرية.
كانت هذه
أكبر قوة تجمعت على الساحل الشرقي لإفريقيا في أي وقت مضى.
لحظات
وجودية:
رد الفعل
الزنجيباري على ترتيب هذا القوات كان التحدي المستمر من جهة والمناورات الدبلوماسية
من جهة أخرى. بعث البريطانيين بإنذار مكتوب، طلب من السلطان خالد أن يخرج من القصر
وأن يفرق قواته وإلا فإن البريطانيين سيهاجمون، حتى أنه قد تم تحذيره من قبل
البريطانيين " بأنه قد قام اغتصاب السلطنة الزنجيبارية بدون استشارة القوة
الحامية" وأنه " قد ارتكب عملاً يدل على العصيان المعلن ضد حكومة جلالة
الملكة البريطانية" رفض البريطانيون التفاوض أو التواصل مع "القوات المتمردة".
رد السيد
خالد بأنه لن يهاجم الأوروبيين وأن كل يتمناه هو أن يسود السلام بينه وبينهم، ولكنه
أيضاً قال بأنه لن يترك القصر "بيته وبيت أبيه" اتصل السيد خالد بالحكومات
الفرنسية والأمريكية والألمانية طلباً لوساطتهم ولكنهم رفضوا جميعاً، لقد كان لكل
منهم معاهدة اتفاق مع الحكومة البريطانية وقد قاموا بتأجيل كل الأمور المتعلقة
بينهم تماشياً مع اتفاقية الحماية البريطانية. طلب السلطان من السفير الأمريكي
إيصال رسالة الى الملكة ونصها " الملكة فكتوريا، لندن: لقد توفي حامد بن ثويني
وقد ورثت عرش أجدادي، وأنا آمل أن تستمر علاقات الصداقة بيننا كما كانت. السلطان
خالد بن برجاش". هذه الرسالة لم تصل أبداً.
البعض أشار
الى توجيه هذه الجهود للاشتراك في حملة دبلوماسية طويلة (بلا شك أنها ستكون طويلة)
بحيث تشير الى عدم وعي الزنجيباريين بالأخطار الحالية التي تحيط بهم وبأنهم سيكونون
أغبياء إذا لم يدركوا مدى خطورة السلاح البريطاني ومدى تشوقهم لاستخدامه.
من الواضح أن
هذا الكلام خاطئ، مما لا شك فيه أن القيادة الزنجيبارية عرفت مدى خطورة وقوة السلاح
البريطاني، فمنذ فترة حكم أجداد السلطان خالد زار بعض وزرائه مصانع التسليح الضخمة
في أوروبا في فترة الثورة الصناعية، كما أن لديهم سنوات من الخبرة مع سلاح البحرية
البريطانية وشهدوا منذ فترة قريبة بأم أعينهم عمليات سلاح البحرية البريطاني في
المحيط الهندي.
فيما يتعلق
بجدية التهديدات البريطانية، لقد عرف الزنجيباريون أيضاً أن البريطانيين لم يظهروا
أي ندم على استخدام هذه الأسلحة في مياه من يواجههم، جميعهم يعرفون مثال مدينة
الإسكندرية وما حدث فيها في عام 1882، هذه المدينة الشرقية الأخرى والتي قصفت لمدة
6 ساعات متواصلة بدون توقف من قبل سلاح البحرية الإمبراطوري، بل ربما كان هناك عدد
قليل من المخضرمين وكبار السن من قدامى المحاربين بين رجال مدفعية السلطان الأجانب
الذين شهدوا ما حدث ضد البريطانيين في المعركة قبل 14 عاماً.
كانت
الإسكندرية مقراً للوطنيين المصريين ومركزاً لمقاومة الحكومة العميلة والتي وضعها
البريطانيين، عندما أحكم الوطنيون السيطرة على المدينة قامت 19 سفينة بفتح النار
عليهم، إن رغبة البريطانيين في إطلاق النار على هذه المدن عالية الكثافة السكانية
لم تكن أبداً موضع شك مرة أخرى في هذا الجزء من العالم.
لقد عرف
الزنجيباريون تماماً ما سيكلفهم موقف التحدي الذي اتخذوه ولكنهم مع ذلك انتظروا ولم
يغادر شخص واحد القصر المحصن وقتها.
مع حلول
الليل توجه خالد الى مسجد عام ليصلي وليثبت أنه غير خائف من المشي في الشوارع،
وعندما هبط الظلام عم صمتٌ غريبٌ في المدينة، قال بعض الشهود بأنهم " لم يعرفوا
ليلة أكثر هدوءاً من تلك الليلة" بينما كتب آخرون " كان الصمت عميقاً
وغريباً... إن كل الضوضاء التي لا نهاية لها من أصوات الأقدام وحديث الناس وأصواتهم
وهم يأكلون ويعملون ويلعبون كلها اختفت، كانت المدينة وكأنها لا تتنفس ويملؤها
التوتر والخوف".
المعركة:
لقد كان صباح
يوم السابع والعشرين صافياً وطلع مبكراً حاله حال المواطنين الذين صعدوا الى سطوح
المباني ليشاهدوا ما سيحدث، القادة الزنجيباريون بعثوا برسالة مرة أخرى الى
الأمريكيين طالبين منهم إرسال برقية الى لندن، ولكن الممثل الأمريكي رفض بقوله "
إن السلطان خالد غير معترف به من قبل القوة الحامية وليس معترفٌ به من طرفي كذلك"
بهذه اللغة الدبلوماسية كانت قد انتهت آمال آخر فرصة للسلام.
تم اختيار
المستشار الأمريكي للعب دور الوساطة من قبل الزنجيباريين وذلك لأن الولايات المتحدة
الأمريكية لم تكن واحدة من الدول التي كان لها حصة في شرق إفريقيا بناءً على مؤتمر
برلين المخزي عام 1885. ورغم ذلك فقد رفض الضباط الأمريكيون إيصال الرسائل أو
التفاوض حول حق "قوة حامية" في حماية أرواح السكان المحليين. كان هذا بلا شك يوماً
أسوداً للدبلوماسية.
لقد حدد
البريطانيون مهلة حتى الساعة 9:00 صباحاً كموعد لبداية الحرب وكان سلاح البحرية
ينوي بدء إطلاق النار على القصر ما لم تنسحب القوات من القصر وتستسلم قبل ذلك
الموعد، قبل الساعة المحددة حصل مشهد شجاع، خرج من المجمع الزنجيباري قارب صغير
وأبحر ببطء متجاوزاً ثلاثة سفن بريطانية، كانت مهمته هي إيصال قائد قوات السلطان
الى سفينته الوحيدة المسلحة وهي
H.M.S. Glasgow،
كان هذا القارب الحربي الخشبي الصغير محاصراً بخمس بواخر عملاقة مسلحة ولكن الرجال
على هذا القارب لم يقوموا بأي حركة لرفع المرساة والهرب، عند وصول القائد بدؤوا
رسميا بإعداد التحضيرات النهائية اللازمة لتجهيز مدافعهم الضخمة وتوجيهها نحو
السفينتين البريطانيتين القريبتين، فسر البريطانيون هذا التصرف والتحدي بأن
الزنجيباريين لن يخفضوا أية أعلام ولن يستسلموا في ذلك اليوم.
بدأ
الأسطول الإمبراطوري البريطاني بإطلاق النار تماماً في الوقت المحدد ومباشرة باتجاه
تجمع الرجال الزنجيباريين على الشاطئ، ومباشرة رد الزنجيباريون بإطلاق النار، في
تمام الساعة 9:05 بدأت السفينة
H.M.S. Glasgow
إطلاق النار على الأعداء متجاهلة موقعها
الصعب. وجه بعدها البريطانيون مدفعيتهم الثقيلة من كلا الجانبين نحو
Glasgow،
ثقبت السفينة بجنب الخط المجاور للماء وبدأت بعدها بالاستقرار في الماء واستمرت في
إطلاق النار حتى بدأت تنزل تحت الماء.
بدأ معظم
المراقبون من أسطح المنازل بالفرار عندما بدأت القذائف الطائشة تسقط خلف القصر وفي
مختلف أرجاء المدينة وغادروا الأماكن المرتفعة وفي وقت قصير كان من الممكن رؤية
الدخان المتصاعد من مدافع كلا الجانبين ولكن بعد ذلك أصبح الدخان يظهر في الأماكن
التي قصفت ولاحقاً بدأ مجمع القصر يختفي عن الأنظار بسبب الدخان مع استمرار
البريطانيون بالقصف. قدر عدد القنابل التي سقطت على المدينة بما يقارب من الألف
قنبلة في ذلك اليوم، إذا كان ذلك صحيحاً فهذا يعني بأنها كانت تسقط قنبلة كل ثلاث
ثوان في أفضل الأماكن في المدينة ولمدة ساعة كاملة.
نظراً
لانعدام الرؤية فقد تركزت معظم الروايات حول أصوات الانفجارات وليس بناءً على
مشاهدتها، قال لنا أحد الشهود " أنه ولمدة خمسة وأربعون دقيقة استمرت الضوضاء
الهائلة، الهدير الممل الذي ترافق مع التصدعات التي حدثت في أماكن قصف القذائف
والمدافع من الطراز الأول بالاضافة الى أصوات القذائف في الهواء والتي تناثرت
شظاياها بشكل عشوائي".
في تمام
التاسعة والنصف كانت
Glasgow
الجريئة صامتة تماماً، جميع المدافع تم تدميرها ومعظم أفراد الطاقم كانوا قد قتلوا
أو جرحوا، استقرت السفينة بهدوء في قاع البحر الضحل وبقيت هوائياتها ظاهرة فوق سطح
الماء. بدأت النيران الزنجيبارية بالتباطؤ وبدأت بنادقهم غير المتطورة بدأت تتعطل
الواحدة تلو الأخرى، حتى النيران البريطانية بدأت تعتمد على السمع لأن مقاتليهم كان
يصعب عليهم الاعتماد على النظر لتحديد أهدافهم وحتى الضباط كانوا يبحثون عن إشارات
تدل على الاستسلام. في داخل المجمع كان من الممكن رؤية بيت الحريم يحترق بشدة
بالاضافة الى المخازن المجاورة للماء، حرك الهواء الدخان جانباً للحظات مما سمح
برؤية سارية القصر الكبيرة بشكل واضح، كان العلم الزنجيباري الأحمر اللامع لا يزال
يرفرف. استأنف البريطانيون قصفهم وبحماس جديد ومرة أخرى اختفى المشهد تحت الدخان.
بعد 15 دقيقة
من القصف لمواقع إطلاق النيران الدفاعية على الشاطئ تم تدميرها كلياً، وتعطلت جميع
البنادق الزنجيبارية، وتباطأ القصف البريطاني ومرة أخرى ظهرت سارية القصر وكان قد
تم تدمير الجزء العلوي منها وكان العلم قد أصيب أيضاً. الأدميرال راولينز المسؤول
عن أحد أسراب البحرية اعتبر ما حدث هو استسلام وأمر سفنه بوقف إطلاق النار. طلب من
قوات المارينز بالسيطرة على ما تبقى من القصر من جهة البحر.
وهناك رواية
لما حدث في نهاية المعركة وفرها كاتب انجليزي بعد مرور سنة على المعركة.
" إن
الرجال الاركاسيين والزنجباريين الذين حملوا بنادقهم دفاعاً عن الجزء المغتصب من
أرضهم خرجوا من مرمى البواخر المقاتلة ولم يظهروا أي انطباع يدل على هزيمتهم أو
ضعفهم وبقوا كذلك حتى تساقطوا الواحد تلو الآخر وتناثرت أشلاؤهم".
" كانت
تنطلق النيران من خلف كل قارب مدرع ومحصن ومحمل بالأسلحة... ولكن هبوط رجال
المارينز لم يكن ليمر بدون مقاومة من الطرف الآخر، إطلاق نار هنا وهناك، وفي الوقت
الذي كانت فيه تنفجر الرصاصات في المياه الزرقاء في البحر دون أن تسبب أي أذى كانت
بعضها تجد لها مستقراً في أجساد الموجودين على السفن".
النتيجة:
بتدمير كل
الأسلحة باستثناء المسدسات اليدوية وبنزول المئات من قوات المارينز الى الشاطئ أعطى
خالد أخيراً الأوامر بالانسحاب من ساحة المعركة مخلفاً وراءه 500 قتيل داخل وحول
القصر، طلب السلطان من الجنود الزنجيباريين غير النظاميين نقل الجرحى والعودة بهم
الى أحياء المدينة من حيث أتوا، بعد ذلك قاد ما تبقى لديه من رجال بما فيهم الناجون
من حرس القصر في مسيرة خطرة عبر المدينة متوجهاً الى السفارة الألمانية. (ومتجهاً
الى الجنود الموالين الذين يكن قد سمح لهم بعد بمغادرة مواقعهم الدفاعية).
وصف شاهد كان
بالقرب من المنطقة الدبلوماسية المشهد بقوله: " كم كانت دهشتي كبيرة حين
وصلت الى القنصلية لأجد مجموعة من العرب وأتباعهم بقيادة خالد وكانوا جميعاً تغطيهم
الدماء والأتربة يسيرون نحوي ومتجهين الى القنصلية الألمانية". خالد خدع في
طريقه مجموعة من قوات المارينز البريطانيين الذين لم يعرفوه ووصل الى ملجأ
القنصلية. الألمان كانت لهم أسبابهم في مساعدة المقاومة ضد البريطانيين فرحبوا
بخالد ومجموعة قليلة من القياديين الذين كانوا معه، جنوده بعد ذلك تم سحب أسلحتهم
(نهبت أسلحتهم) لكنهم بعد ذلك كانوا قادرين على الاختفاء في أنحاء الجزيرة بينما
كان الجنود الحكوميون وقوات المارينز البريطانية منشغلون بالحاجة الى القضاء على
النيران التي تهدد قدرتهم على السيطرة على المدينة وبالتعامل مع حالة الشغب التي
ظهرت بعد أن أصبحت نتيجة المعركة معروفة.
بقي السيد
خالد ضيفاً في القنصلية الألمانية لمدة 36 يوماً وطلب البريطانيون إعادته إليهم
وحاصروا القنصلية بعملاء وجنود حتى لا يتمكن من الهرب، وبعد أسبوعين من الجدل
الدبلوماسي بين القوتين الأوروبيتين في صباح الثاني من أكتوبر ومع ارتفاع حركة المد
وضرب الأمواج لحائط السفارة الألمانية فر خالد من القنصلية الألمانية في قارب صغير
ولم تمس قدماه أرضاً تحكمها بريطانيا.
ومن هناك تم
إيصاله الى دار السلام حيث عاش لأكثر من 15 عاماً كأمير في المنفى حتى أعادته الحرب
العالمية الأولى الى الصدام مع الإمبراطورية البريطانية. هذه القصة سيتم إكمالها
لاحقاً باعتبارها الجزء الثاني من تاريخ الجيش غير الرسمي لزنجيبار.
بالنسبة
للمدينة المدمرة، فقد تم تدمير القصر كلياً ولم يعد بناؤه أبداً، وكذلك مبنى الحريم
تم تدميره ولكن لاحقا تم استبداله جزئياً بمبنى آخر. الدمار الذي لحق ببيت الإضاءة
أمام بيت العجائب كان بشكل يتعذر إصلاحه ولكن بيت العجائب لم يصب بدمار كبير ولذلك
فقد تم إلحاق بيت جديد للإضاءة به عندما تم إصلاح القصر في عام 1899. ولاحقا في
بدايات القرن العشرين كان المجمع جاهزا مرة أخرى لاستضافة أحداثٍ عامة.
كتبت الصحافة
الشعبية البريطانية عن المعركة ببعض التفاصيل في ذلك الوقت وكذلك في الولايات
المتحدة الأمريكية كانت موضع دراسة. في نهاية عام 1896 أعلنت مجلة "العلميون
الأمريكيون" عن ميكانيكيات القصف. حاول الأمريكيون أن يطبقوا الدروس التي تعلموها
في زنجيبار على طول شواطئهم غير مهتمين بالأخطار المحتملة، الأخطار التي قد تأتي
بها الحرب العالمية الأولى.
" المدفع
الرشاش من قياس 6 انش الموجود على متن سفينة
Royal Arthur
وهي سفينة مشابهة لسفينة
St. George
(الباخرة البريطانية التي استخدمت في الحرب على زنجيبار) لديه سجل يبين إصابته
لثمانية عشر هدفاً في 3 دقائق. إذا كان يمكن المحافظة على معدل الإصابة هذا أي
بمعدل 6 طلقات في الدقيقة لمدة سبع وثلاثين دقيقة (وهي المدة المفترضة للحرب) فإن
مدفعاً رشاشاً واحداً سيكون قادراً على رمي 222 قنبلة متفجرة تزن كل منها 100 باوند
في المكان الواحد في المدينة. سفينة
St. George
كانت تحمل على متنها 5 مدافع كهذا المدفع، بالإضافة الى ذلك كان بإمكانها أن تحمل
(في ذلك الوقت) ما يقارب 120 قذيفة ضخمة تزن كل واحدة منها 320 باونداً لتطلق من
مدافعها الثقيلة بقياس 9.2 انش.
هذا النوع
من السفن الذي حطم مباني زنجيبار الى أجزاء صغيرة خلال أقل من ساعة يتم تصنيعه في
كل ولاية لديها سلاح بحرية كبيرة كانت أم صغيرة. لهؤلاء الأشخاص الذين لا يرون
ضرورة لتوظيف كل ما هو ممكن للدفاع عن شواطئنا ... يجب أن يقدموا نقاشاً مقنعاً".
الألامو
في إفريقيا (شجرة الحور)
يبدو أن
شجاعة زنجيبار هي نوع فريد من الشجاعة والمرتكزة على حس قوي بالعدالة ومبادئ قائمة
على طبع العناد والإصرار. هذه السمات الى جاني محو الأمية السياسية المستمر لشعب
زنجيبار غالباً ما كانت تفشل خطط الحكام الذين يحاولن السيطرة على الجزر بدون
الالتفات الى مصالح شعبها.
قيل بأن
الحرب الأقصر هي ما يشبه الثورة الأمريكية 1776. في كلا الحربين كان الوطنيون
يتحدون حق الإمبراطورية البريطانية في الحكم دون السماح لدرجة كافية من التحكم
للمحليين في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية المحلية. وعلى الرغم من احتواء الحرب
الانجليزية الزنجيبارية على معركة واحدة فقط فإن أقرب ما تشبه به هي المعركة
الأمريكية الشهيرة في الألامو ففي كلا الحالتين أصبحت قصة المعركة أكثر أهمية من
النتائج التقنية للمعركة.
في تلك
الحالة احتلت مجموعة من الوطنيين من تكساس موقعا محصناً وواجهوا حشداً من البنادق
التابعة للجيش المكسيكي الذي يفوقهم قوة دون أن يشعروا بالخوف، لقد أصبحوا أبطالاً
وطنيين بسبب التزامهم بمبادئ الاستقلال وتقرير المصير.
في حرب عام
1896 واجهت مجموعة من الوطنيين الزنجيباريين حشد البنادق التابعة للأسطول البريطاني
ومات معظمهم في سبيل أن لا يتنازلوا عن قضيتهم. هذه قصة يجب أن لا ننساها.
مثالهم هذا
هو رسالة للتفكير فيها اليوم أيضاً عندما يحدث القتال بين الزنجيباريين أنفسهم في
الوقت الذي تتنافس فيه القوى المحلية والدولية للسيطرة على المنطقة. دون الاستماع
بتمعن الى أصوات الناس على هذه الجزر هل سنرى ألامو أخرى في إفريقيا؟
اضغط هنا
للحصول على
المصادر وقائمة المراجع
قام بهذا
العمل تورنس روير، 2002 ومقدم لفردوسي ومحمد.
ترجمة رامي
أبو طويلة
Ramiat@hotmail.com
جميع الحقوق
محفوظة
يأتي قريباً:
زنجيبار في الحرب العظمى 1914-1916
|